سورة النجم - تفسير تفسير البيضاوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النجم)


        


{والنجم إِذَا هوى} أقسم بجنس النجوم أو الثريا فإنه غلب فيها إذا غرب أو انتثر يوم القيامة أو انقض أو طلع فإنه يقال: هوى هوياً بالفتح إذا سقط وغرب، وهويا بالضم إذا علا وصعد، أو بالنجم من نجوم القرآن إذا نزل أو النبات إذا سقط على الأرض، أو إذا نما وارتفع على قوله: {مَا ضَلَّ صاحبكم} ما عدل محمد صلى الله عليه وسلم عن الطريق المستقيم، والخطاب لقريش. {وَمَا غوى} وما اعتقد باطلاً والخطاب لقريش، والمراد نفي ما ينسبون إليه.
{وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهوى} وما يصدر نطقه بالقرآن عن الهوى.
{إِنْ هُوَ} ما القرآن أو الذي ينطق به. {إِلاَّ وَحْىٌ يوحى} أي إلا وحي يوحيه الله إليه، واحتج به من لم ير الاجتهاد له. وأجيب عنه بأنه إذا أوحي إليه بأن يجتهد كان اجتهاده وما يستند إليه وحياً، وفيه نظر لأن ذلك حينئذ يكون بالوحي لا الوحي.
{عَلَّمَهُ شَدِيدُ القوى} ملك شديد قواه وهو جبريل عليه السلام فإنه الواسطة في إبداء الخوارق، روي أنه قلع قرى قوم لوط ورفعها إلى السماء ثم قلبها وصاح صيحة بثمود فأصبحوا جاثمين.
{ذُو مِرَّةٍ} حصافة في عقله ورأيه. {فاستوى} فاستقام على صورته الحقيقية التي خلقه الله تعالى عليها. قيل ما رآه أحد من الأنبياء في صورته غير محمد عليه الصلاة والسلام مرتين، مرة في السماء ومرة في الأرض، وقيل استوى بقوته على ما جعل له من الأمر.
{وَهُوَ بالأفق الاعلى} في أفق السماء والضمير لجبريل عليه السلام.
{ثُمَّ دَنَا} من النبي عليه الصلاة والسلام. {فتدلى} فتعلق به وهو تمثيل لعروجه بالرسول صلى الله عليه وسلم. وقيل ثم تدلى من الأفق الأعلى فدنا فيكون من الرسول إشعاراً بأنه عرج به غير منفصل عن محله تقريراً لشدة قوته، فإن التدلي استرسال مع تعلق كتدلي الثمرة، ويقال دلى رجليه من السرير وأدلى دلوه، والدوالي الثمر المعلق.
{فَكَانَ} جبريل عليه السلام كقولك: هو مني معقد إزار، أو المسافة بينهما. {قَابَ قَوْسَيْنِ} مقدارهما. {أَوْ أدنى} على تقديركم كقوله أو يزيدون، والمقصود تمثيل ملكة الاتصال وتحقيق استماعه لما أوحي إليه بنفي البعد الملبس.
{فأوحى} جبريل عليه السلام. {إلى عَبْدِهِ} عبد الله واضماره قبل الذكر لكونه معلوماً كقوله: {على ظَهْرِهَا} {مَا أوحى} جبريل عليه السلام وفيه تفخيم للموحى به أو الله إليه، وقيل الضمائر كلها لله تعالى وهو المعني بشديد القوى كما في قوله تعالى: {إِنَّ الله هُوَ الرزاق ذُو القوة المتين} ودنوه منه برفع مكانته وتدليه جذبه بشراشره إلى جناب القدس.
{مَا كَذَبَ الفؤاد مَا رأى} ما رأى ببصره من صورة جبريل عليه السلام أو الله تعالى، أي ما كذب بصره بما حكاه له فإن الأمور القدسية تدرك أولاً بالقلب ثم تنتقل منه إلى البصر، أو ما قال فؤاده لما رآه لم أعرفك ولو قال ذلك كان كاذباً لأنه عرفه بقلبه كما رآه ببصره، أو ما رآه بقلبه والمعنى أنه لم يكن تخيلاً كاذباً. ويدل عليه أنه عليه الصلاة والسلام سئل هل رأيت ربك؟ فقال: «رأيته بفؤادي». وقرأ هشام ما كذب أي صدقه ولم يشك فيه.
{أفتمارونه على مَا يرى} أفتجادلونه عليه، من المراء وهو المجادلة واشتقاقه من مرى الناقة كأن كلا من المتجادلين يمري ما عند صاحبه. وقرأ حمزة والكسائي وخلف ويعقوب {أفتمرونه} أي أفتغلبونه في المراء من ماريته فمريته، أو أفتجحدونه من مراه حقه إذا جحده وعلى لتضمين الفعل معنى الغلبة فإن المماري والجاحد يقصدان بفعلهما غلبة الخصم.
{وَلَقَدْ رَءاهُ نَزْلَةً أخرى} مرة أخرى فعلة من النزول أقيمت مقام المرة ونصبت نصبها إشعاراً بأن الرؤية في هذه المرة كانت أيضاً بنزول ودنو والكلام في المرئي والدنو ما سبق. وقيل تقديره ولقد رآه نازلاً نزلة أخرى، ونصبها على المصدر والمراد به نفي الريبة عن المرة الأخيرة.
{عِندَ سِدْرَةِ المنتهى} التي ينتهي إليها أعمال الخلائق وعلمهم، أو ما ينزل من فوقها ويصعد من تحتها، ولعلها شبهت بالسدرة وهي شجرة النبق لأنهم يجتمعون في ظلها. وروي مرفوعاً أنها في السماء السابعة.
{عِندَهَا جَنَّةُ المأوى} الجنة التي يأوي إليها المتقون أو أرواح الشهداء.


{إِذْ يغشى السدرة مَا يغشى} تعظيم وتكثير لما يغشاها بحيث لا يكتنهها نعت ولا يحصيها عد، وقيل يغشاها الجم الغفير من الملائكة يعبدون الله عندها.
{مَا زَاغَ البصر} ما مال بصر رسول الله صلى الله عليه وسلم عما رآه. {وَمَا طغى} وما تجاوزه بل أثبته إثباتاً صحيحاً مستيقناً، أو ما عدل عن رؤية العجائب التي أمر برؤيتها وما جاوزها.
{لَقَدْ رأى مِنْ ءايات رَبّهِ الكبرى} أي والله لقد رأى من آياته وعجائبه الملكية والملكوتية ليلة المعراج وقد قيل إنها المعنية بما {رأى}. ويجوز أن تكون {الكبرى} صفة لل {ءايات} على أن المفعول محذوف أي شيئاً من آيات ربه أو {مِنْ} مزيدة.
{أَفَرَءيْتُمُ اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى} هي أصنام كانت لهم، فاللات كانت لثقيف بالطائف أو لقريش بنخلة وهي فعلة من لوى لأنهم كانوا يلوون عليها أي يطوفون. وقرأ هبة الله عن البزي ورويس عن يعقوب{اللات} بالتشديد على أنه سمي به لأنه صورة رجل كان يلت السويق بالسمن ويطعم الحاج. {والعزى} بالتشديد سمرة لغطفان كانوا يعبدونها فبعث إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد فقطعها، وأصلها تأنيث الأعز {ومناة} صخرة كانت لهذيل وخزاعة أو لثقيف وهي فعلة من مناه إذا قطعه فإنهم كانوا يذبحون عندها القرابين ومنه منى. وقرأ ابن كثير {مناة} وهي مفعلة من النوء فإنهم كانوا يستمطرون الأنواء عندها تبركاً بها، وقوله: {الثالثة الأخرى} صفتان للتأكيد كقوله تعالى: {يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ} أو {الأخرى} من التأخر في الرتبة.
{أَلَكُمُ الذكر وَلَهُ الأنثى} إنكار لقولهم الملائكة بنات الله، وهذه الأصنام استوطنها جنيات هن بناته، أو هياكل الملائكة وهو المفعول الثاني لقوله: {أَفَرَءيْتُمُ}.
{تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضيزى} جائرة حيث جعلتم له ما تستنكفون منه وهي فعلى من الضيز وهو الجور، لكنه كسر فاؤه لتسلم الياء كما فعل في بيض فإن فعلى بالكسر لم تأت وصفاً. وقرأ ابن كثير بالهمز من ضأزه إذا ظلمه على أنه مصدر نعت به.
{إِنْ هِىَ إِلاَّ أَسْمَاء} الضمير للأصنام أي ما هي باعتبار الألوهية إلا أسماء تطلقونها عليها لأنهم يقولون أنها آلهة وليس فيها شيء من معنى الألوهية، أو للصفة التي تصفونها بها من كونها آلهة وبنات وشفعاء، أو للأسماء المذكورة فإنهم كانوا يطلقون اللات عليها باعتبار استحقاقها للعكوف على عبادتها، والعزى لعزتها ومناة لاعتقادهم أنها تستحق أن يتقرب إليها بالقرابين. {سَمَّيْتُمُوهَا} سميتم بها.
{أَنتُمْ وَءابَاؤُكُمُ} بهواكم. {مَّا أَنزَلَ الله بِهَا مِن سلطان} برهان تتعلقون به. {إِن يَتَّبِعُونَ} وقرئ بالتاء. {إِلاَّ الظن} إلا توهم أن ما هم عليه حق تقليداً وتوهماً باطلاً. {وَمَا تَهْوَى الأنفس} وما تشتهيه أنفسهم. {وَلَقَدْ جَاءهُم مّن رَّبّهِمُ الهدى} الرسول أو الكتاب فتركوه.
{أَمْ للإنسان مَا تمنى} {أَمْ} منقطعة ومعنى الهمزة فيها الإِنكار، والمعنى ليس له كل ما يتمناه والمراد نفي طمعهم في شفاعة الآلهة وقولهم: {لَئِنْ رُّجّعْتُ إلى رَبّى إِنَّ لِى عِندَهُ للحسنى} وقوله: {لَوْلاَ نُزّلَ هذا القرءان على رَجُلٍ مّنَ القريتين عَظِيمٍ} ونحوهما.
{فَلِلَّهِ الأخرة والأولى} يعطي منهما ما يشاء لمن يريد وليس لأحد أن يتحكم عليه في شيء منهما.


{وَكَمْ مّن مَّلَكٍ فِى السموات لاَ تُغْنِى شفاعتهم شَيْئاً} وكثير من الملائكة لا تغني شفاعتهم شيئاً ولا تنفع.
{إِلاَّ مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ الله} في الشفاعة. {لِمَن يَشَاء} من الملائكة أن يشفع أو من الناس أن يشفع له. {ويرضى} ويراه أهلاً لذلك فكيف تشفع الأصنام لعبدتهم.
{إِنَّ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة لَيُسَمُّونَ الملائكة} أي كل واحد منهم. {تَسْمِيَةَ الأنثى} بأن يسموه بنتاً.
{وَمَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ} أي بما يقولون، وقرئ بها أي بالملائكة أو بالتسمية. {إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظن وَإَنَّ الظن لاَ يُغْنِى مِنَ الحق شَيْئًا} فإن الحق الذي هو حقيقة الشيء لا يدرك إلا بالعلم، والظن لا اعتبار له في المعارف الحقيقية، وإنما العبرة به في العمليات وما يكون وصلة إليها.
{فَأَعْرَضَ عَمَّنْ تولى عَن ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلاَّ الحياة الدنيا} فأعرض عن دعوته والاهتمام بشأنه فإن من غفل عن الله وأعرض عن ذكره. وانهمك في الدنيا بحيث كانت منتهى همته ومبلغ علمه لا تزيده الدعوة إلا عناداً وإصراراً على الباطل.
{ذلك} أي أمر الدنيا أو كونها شهية. {مَبْلَغُهُمْ مّنَ العلم} لا يتجاوزه علمهم والجملة اعتراض مقرر لقصور هممهم بالدنيا وقوله: {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهتدى} تعليل للأمر بالإِعراض أي إنما يعلم الله من يجيب ممن لا يجيب فلا تتعب نفسك في دعوتهم إذ ما عليك إلا البلاغ وقد بلغت.
{وَللَّهِ مَا فِى السموات وَمَا فِي الأرض} خلقاً وملكاً. {لِيَجْزِىَ الذين أساؤوا بِمَا عَمِلُواْ} بعقاب ما عملوا من السوء أو بمثله أو بسبب ما عملوا من السوء، وهو بمثله دل عليه ما قبله أي خلق العالم وسواه للجزاء، أو ميز الضال عن المهتدي وحفظ أحوالهم لذلك {وَيِجْزِى الذين أَحْسَنُواْ بالحسنى} بالمثوبة الحسنى وهي الجنة، أو بأحسن من أعمالهم أو بسبب الأعمال الحسنى.
{الذين يَجْتَنِبُونَ كبائر الإثم} ما يكبر عقابه من الذنوب وهو ما رتب عليه الوعيد بخصوصه. وقيل ما أوجب الحد. وقرأ حمزة والكسائي وخلف كبير الإِثم على إرادة الجنس أو الشرك. {والفواحش} ما فحش من الكبائر خصوصاً. {إِلاَّ اللمم} إلا ما قل وصغر فإنه مغفور من مجتنبي الكبائر، والاستثناء منقطع ومحل {الذين} النصب على الصفة أو المدح أو الرفع على أنه خبر محذوف. {إِنَّ رَبَّكَ واسع المغفرة} حيث يغفر الصغائر باجتناب الكبائر، أو له أن يغفر ما شاء من الذنوب صغيرها وكبيرها، ولعله عقب به وعيد المسيئين ووعد المحسنين لئلا ييأس صاحب الكبيرة من رحمته ولا يتوهم وجوب العقاب على الله تعالى. {هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ} أعلم بأحوالكم منكم.
{إِذْ أَنشَأَكُمْ مّنَ الأرض وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِى بُطُونِ أمهاتكم} علم أحوالكم ومصارف أموركم حين ابتدأ خلقكم من التراب بخلق آدم وحينما صوركم في الأرحام. {فَلاَ تُزَكُّواْ أَنفُسَكُمْ} فلا تثنوا عليها بزكاء العمل وزيادة الخير، أو بالطهارة عن المعاصي والرذائل. {هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتقى} فإنه يعلم التقي وغيره منكم قبل أن يخرجكم من صلب آدم عليه السلام.
{أَفَرَأَيْتَ الذى تولى} عن اتباع الحق والثبات عليه.
{وأعطى قَلِيلاً وأكدى} وقطع العطاء من قولهم أكدى الحافر إذا بلغ الكدية وهي الصخرة الصلبة فترك الحفر. والأكثر على أنها نزلت في الوليد بن المغيرة وكان يتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم فعيره بعض المشركين وقال: تركت دين الأشياخ وضللتهم قال أخشى عذاب الله تعالى فضمن أن يتحمل عنه العقاب إن أعطاه بعض ماله فارتد وأعطى بعض المشروط ثم بخل بالباقي.
{أَعْنْدَهُ عِلْمُ الغيب فَهُوَ يرى} يعلم أن صاحبه يتحمل عنه.

1 | 2